اقرا ايضا
مدخل الحكمة: «وقاية المجتمع من تفشي الفواحش» (منار التربية الإسلامية)
الوضعية المشكلة:
يرى بعض الأفراد أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في ذيوع الفاحشة واقتحامها بيوت المسلمين بشكل ملفت للنظر، في حين اعتبر البعض الأخر أن انتشارها راجع إلى تحول القيم وتراجعها.
- من خلال الرأيين بين وجهة نظرك حول تفشي الفاحشة في المجتمع؟
النصوص المؤطرة للدرس:
النص الأول:
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
[سورة الأعراف، الآية: 33]
النص الثاني:
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾.
[سورة النور، الآية: 19]
النص الثالث:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى أنْ يَأْتِيَ الْمَرْءُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ».
[صحيح البخاري، كتاب: النكاح، باب: الغيرة]
قراءة النصوص ودراستها:
I – توثيق النصوص والتعريف بها:
1 – التعريف بسورة الأَعراف:
سورة الأَعراف: مكية، ماعدا من الآية 163 إلى الآية 170 فهي مدنية، عدد آياتها 206 آية، ترتيبها 7 في المصحف الشريف، نزلت بعد “سورة ص”، سميت بهذا الاسم لورود ذكر اسم الأعراف فيها، وهو سور مضروب بين الجنة والنار يحول بين أهلهما، وهي أول سورة عرضت للتفصيل في قصص الأنبياء، ومهمتها كمهمة السورة المكية تقرير أصول الدعوة الإسلامية من توحيد الله جل وعلا، وتقرير البعث والجزاء، وتقرير الوحي والرسالة.
2 – التعريف بسورة النور:
سورة النور: مدنية، وعدد آياتها 64 آية، ترتيبها 24 في المصحف الشريف، نزلت بعد “سورة الحشر”، سميت بهذا الاسم لما تحويه من حكم نورانية وعظات ربانية، وهي من السور المدنية التي تتناول الأحكام التشريعية، وتعنى بأمور التشريع والتوجيه والأخلاق، وتهتم بالقضايا العامة والخاصة التي ينبغي أن يربى عليها المسلمون أفرادا وجماعات، وقد اشتملت هذه السورة على أحكام هامة وتوجيهات عامة تتعلق بالأسرة التي هي النواة الأولى لبناء المجتمع الأكبر.
II – نشاط الفهم وشرح المفردات:
1 – شرح المفردات والعبارات:
- ما ظهر منها وما بطن: ما كان منها في السر أو في العلن.
- البغي: الظلم والاستطالة على الناس.
- الإثم: هو الذنب الذي تستحق النفس العقوبة عليه.
- سلطانا: حجة وبرهانا.
- تشيع الفاحشة: ينتشر الفعل القبيح، كإشاعة الرذيلة والزنا …
2 – مضامين النصوص الأساسية:
- تحريم الله عز وجل للفواحش الظاهرة و الباطنة.
- توعد الله سبحانه وتعالى الذين يساهمون في انتشار الفواحش بالعذاب في الدنيا والآخرة.
- غيرة الله عز وجل حينما تنتهك حرماته.
I – مفهوم الفواحش وموقف الشرع منها:
1 – مفهوم الفواحش:
الفواحش: لغة: جمع فاحشة، وهو كل فعل تكرهه الأنفس ويقبح ذكره في الألسن، وشرعا: هو ما اشتد قبحه وتناهى من المعاصي، والفواحش نوعان: فواحش ظاهرة كالزنا واللواط والسِّحاق ونحوها، وفواحش باطنة كالكبر والحسد والغرور وسوء الظن ونحوها، وقد وردت الفاحشة في القرآن الكريم كناية عن «الزنا» في الغالب، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾.
2 – منهج الإسلام في تحريم الفواحش:
لقد حرم الله تعالى جميع الفواحش الظاهرة منها والباطنة، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾، بل وحرم أيضا حتى الاقتراب منها، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾، فمنهج الإسلام أنه إذا حرم شيئا حرم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه، فلما حرم فاحشة الزنا حرم الخلوة والتبرج، وأوجب بالمقابل غض البصر، والعفة والحياء، ولما حرم عمل قوم لوط حرم تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وأوجب ستر العورة، والتفريق بين الأطفال في المضاجع، كما توعد من يقوم بإشاعة الفاحشة والمجاهرة بها، قال تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، بل واعتبر هذا التحريم غيرة على عباد الله، قال ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى أنْ يَأْتِيَ الْمَرْءُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ».
II – مخاطر الفواحش أساليب وقاية المجتمع منها:
1 – عوامل انتشار الفواحش ومخاطرها على المجتمع:
أ – أسباب انتشار الفواحش:
يرتبط انتشار الفواحش في المجتمع بانهيار الأخلاق، والجهل بالمنهج الإلهي لتدبير وتنظيم النشاط الجنسي عند الإنسان، وضعف الغيرة والحياء والتدين.
ب – مخاطر انتشار الفواحش:
- مخاطر انتشار الفواحش على المجتمع كثيرة، منها:
- مخاطر صحية: انتشار الإمراض الفتاكة والمعدية.
- مخاطر أمنية: فقدان الأمن على النساء والأعراض والأموال …
- مخاطر اجتماعية: انتشار الفساد والرذيلة، واختلاط الأنساب، وهتك الأعراض …
- تغير الفطرة الإنسانية: المثلية الجنسية، التخنث، الإسترجال …
- مخاطر أخلاقية: التشبه بالثقافة الغربية، اضمحلال القيم والمبادئ الإسلامية، فقدان الهوية وعدم الاعتزاز بالدين والرضا بالانكسار …
2 – أساليب ومنهج وقاية المجتمع من الفواحش:
وقاية المجتمع من الفواحش مسؤولية الجميع، ويتم ذلك عن طريق الآتي:
- التربية الإيمانية العلمية التي تثمر تقوى الله تعالى، والصبر على المعصية، والغيرة على محارم الله تعالى، واستقباح القبائح من النفس والأهل وعموم الناس، والتداول الاجتماعي لقيم العفة والحياء والفضيلة.
- الامتناع عن كل أشكال إشاعة الفاحشة، كنشر الأخبار والصور والفيديوهات …، التي تحرك الشهوات وتظهر العورات وتفضح الخلوات، التي يتحمل المرء وزرها ووزر من نظر إليها ومن نشرها إلى الدين، قال تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
- التخلق الجماعي بقيمة التستر وعدم المجاهرة بالمعاصي، فالله تعالى حيي ستير يحب أهل الحياء والستر، ومن أمقت الناس إليه من بات عاصيا وستره الله، فيصبح يكشف ستر الله عليه.
- غرس قيم العفاف والشرف وتشجيع الشباب على التعفف ومقاومة الإغراء، وتيسير سبل الزواج والإحصان، والإنكار على المجاهر بالفاحشة.
III – ضرورة التحلي بالأخلاق وبثها في المجتمع للقضاء على مخاطر الفواحش:
يعتبر التحلي بفضائل الأخلاق السبيل الوحيد لوقاية المجتمع من الفواحش، وخير مثال على ذلك أخلاق سيدنا يوسف عليه السلام، فعفته وخوفه من ربه كانت الحصن المنيع من الوقوع في إغراءات امرأة العزيز، كما أن التحلي بالفضائل ونشرها وقاية للمجتمع من الخراب والدمار وانتشار الأمراض، مصداقا لقوله ﷺ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، لذا وجب على جميع شرائح المجتمع كل من موقعه نشر القيم النبيلة والأخلاق الحميدة، وتربية الناشئة على قيم العفة والحياء والطهر والنقاء.