اقرا ايضا
القوى الفاعلة في رواية المباءة :
تعرف الشخصية الحكائية بأنها نتاج عمل تأليفي ، يعني أن رسم صورتها الكاملة في النص لا يتم إلا بطريقة تدريجية من بداية ظهورها إلى نهايته، وذلك حسب مقدار حضورها في العمل. لذا لا يمكن تكوين فكرة واضحة عنها إلا عندما يطلع القراء على كل ما تتمظهر به من أقوال وأفعال، وكذلك علاقتها بالشخصيات الأخرى وما تقوله عنها ، وما يقوله السارد. من هذا المنظور يمكن تحديد أهم القوى الفاعلة في النص على الشكل التالي:
أ)- قاسم الورداني :
يعتبر الشخصية المحورية في الرواية ولها حضور وازن في كل فصولها و تنفرد بالاهتمام المركزي في قسمين من الرواية هما القسم الأول والقسم الثالث، ويشكلان أكثر من مائة صفحة من إجمالي صفحات الرواية البالغ عددها 153 صفحة، مع العلم أن لشخصيته قاسم حضورا بارزا أيضا في القسم الثاني إلى جانب الشخصيات الأخرى.
وقد تميزت هذه الشخصية على امتداد الرواية بحالتين متضادتين؛ حالة الغرابة و الجنون من جهة حيت تصدر عنها أفعال غير سوية، وحالة الاتزان من جهة أخرى وسنجرد أهم الصفات و الأفعال للحالتين معا مع الاستشهاد لها بمقاطع من الرواية.:
حالة الغرابة و الجنون :
- قاسم يتبعه شعب من القطط الجائعة وهو يشتري لها اللحم من الجزار ويطعمها
- قاسم يسكن منعزلا بضريح سيدي بوغالب بجوار القبور حيث تجتمع غرابة الحياة ووحشة المكان. وهنا تلتقي الرواية دون شك مع الصورة المضببة الموحشة المرسومة على غلافها
– قاسم يرسم على جسده أصناف الصور: (رسم على صدره وذراعيه قططا وأفاع وجماجم وتفاحات حمراء وأسماكا وديناصورات وقبورا وأبوابا للمدن وسجونا ووجوها بشرية لها وجوه البوم ثم أخذ يجول في وسط الساحة مختالا وكأنه يعرض جسده أمام النساء).
– قاسم الذي راود ته “عيشة قنديشة” عن نفسه في أحد فنادق مدينة الرباط فهرب عاريا إلى شارع المدينة
– قاسم يرتدي بذلة من أوراق الجرائد القديمة مطلية بالزعفران ويتجه نحو المدينة تتبعه قطط
حالة الاتزان:
قاسم النقاش على الرخام. يطوع الحرف ويرسم المعاني والدلالات وينجز المستحيل: (هذه حروفي وأنا أكونها بالإزميل.. لا تنس “يقصد الحرف” أن تحرك الساكن وتفتح المغلق وتبدأ مما لم يبدأ وتقول مالم يقل وتروض لحظة الدهشة....)
- قاسم العاقل الذي يتخذ فقط مظهر المجذوب ويكون قادرا على أن يسخر من المقدم المحتال.
الخاصية الأساسية التي تميز قاسم هي إذن الانشطار الذاتي وقد صاحبتها هذه الخاصية في مجموع الرواية وانعكست على مواقفها وأحوالها. و اللافت للنظر أنها كانت واعية بانقسامها: (أهذا أنا ؟ كل هذا في دواخلي وأنا لا أعرف ؟ أين يرقد كل هؤلاء الأشخاص في أعماقي؟ الآن أكتشف السفاح وغدا سوف أكتشف أشخاصا آخرين في شخصي (…..) ولكن أحي أن أجد قاسما الطاهر والآخر العاشق، وقاسما الوطني المناضل ضد الاستعمار وقاسما صديق الطيور والحيوان والرسوم والألوان.)
ب)- منير الورداني:
هو الإبن الوحيد لقاسم الورداني وتتميز شخصية منير بأنها متقلبة القناعات تفتقد إلى كثير من التماسك الذاتي، فقد انضم إلى تنظيم طلابي ماركسي وكان متعاطفا مع طلبة هذا التنظيم الذين كانوا رهن الاعتقال بالسجن الذي يديره أبوه، كما كان يستقبلهم أحيانا في بيت أبيه سرا.
وقد تعرض للاختطاف والتعذيب فبدا أنه فقد قسطا من كرامته وثقته بنفسه، لذا قطع صلته على الفور بالتنظيم الطلابي السابق وانضم إلى تنظيم أصولي يعد نقيضا تاما له. ويتجلى ضعف هذه الشخصية أيضا في محاولة منير قتل أبيه لأسباب غير بارزة في النص، وحين أحبط الوالد محاولته عجز عن النظر في وجه وأجهش بالبكاء.
يتطور تدهور هذه الشخصية السلبية بسرعة كبيرة في الرواية عندما اختفي مرة أخرى، ولم يمض أكثر من شهر واحد على انتمائه الجديد. هكذا نراه يعود إلى المنزل مرة أخرى في حالة أسوأ مما سبق، فقد تعرضت بوظائفها للتعذيب من قبل أعضاء التنظيم إلى أن فقد القدرة على أداء الوظائف الطبيعية: (.... وهكذا، فقد بقي منير، رقية تلبسه الملابس وأنا أغسل جسده في الحمام ومنيرة تطعمه بيدها في فمه وهو يجلس معنا على مائدة الطعام ناظرا نظرته تلك نحو العلاء ووجهه مائل إلى اليسار باسما للفراغ...) وتبقى حالة منير هكذا إلى نهاية الرواية.
ج)- منيرة الورداني:
هي البنت الوحيدة لقاسم الورداني. ورغم أنها من الشخصيات الأساسية في الرواية إلا أنها أقل أهمية من الشخصيتين السابقتين. ووجودها في النص له دور في إلقاء مزيد من الضوء على شخصية الأب و الإبن وبعض التنظيمات السياسية والطلابية:
– كما أنها تعرضت هي الأخرى للتحرش من شخص أصولي يدعى حفصا يريدها محجبة وزوجة له تحت التهديد.
– مثلت صوتا إيديولوجيا في الرواية عندما تحدثت عن ذكرياتها وإعجابها بشخصية المهدي بن بركة وتياره الثوري.
إن شخصية منيرة، على خلاف منير، تمثل الانسان الواقعي الذي يسعى إلى البحث عن العمل والاستقرار بعيدا عن عالم السياسة،
د - رقية زوجة قاسم الورداني:
دور هذه الشخصية باهت في النص، ومع ذلك فهي تمثل الأمومة النموذجية المميزة بميزتين: (التضحية ورعاية الأبناء، – الإخلاص التام للزوج .
هناك شخصيات أخرى ثانوية ولكنها تؤدي أدوارا معينة في النص، تذكر منها:
– إبراهيم عون السجن الوفي الحريص على تنفيذ تعليمات رئيسه قاسم الورداني.
– التهامي مقدم الضريح الذي يمثل نموذج الإنسان النفعي، فهو يلجأ إلى الحيل جميعها، ويدعى السحر ومعرفة الغيب ليستفيد من الذبائح، ويحتال على زوار الضريح من البوادي لكي يستولي على أراضيهم الفلاحية.