اقرا ايضا
تعريف الحجاج
الحجاج لغة مصدر لفعل حاجج، ومعناه الغلبة عن طريق الإدلاء بالحجج والبراهين، واصطلاحا هو فاعلية جدلية تداولية، وحوار استدلالي يقوم على إيراد الحجة والبرهان لأجل إقناع الآخرين بفكرة، أو أطروحة، أو موقف، أو تصور معين تُجاه مشكل من مشاكل الحياة اليومية أو الاجتماعية، أو قضية ما للتأثير في المتلقين.
موضوع الحجاج دراسة تقنيات الخطاب التي تؤدي بالأذهان إلى التسليم بما يعرض عليها من أطروحات أو الزيادة في درجات ذلك التسليم”. وغاية كل حجاج ليست هي الصواب أو الصحة، بل التأثير والإقناع..
يمزج الحجاج بين الاستدلال العقلي وعوامل التأثير العاطفية وبلاغة الخطاب، ليحمل المتلقي على تعديل رأيه أو سلوكه أو مواقفه، فيُذعن لأطروحة ما أو يزيد تسليمه لها. وذلك استنادا إلى عناصر حجاجية ووسائل إقناع تتخذ مسارا محددا انطلاقا من استراتيجية المرسل وأهدافه ومقام إرسال رسالته، واستنادا إلى براهين وأدلة وأساليب تفسير ولغة فنية، أو تقريرية، تساعد في التأثير على المتلقي والدفع به إلى الإقتناع.
مسلمات الحجاج (منطلقاته / مقدماته)
يختار المحاجج مقدمات يكون الجمهور مسلما بها، ويعمد إلى جعلها تبدو حجاجية من خلال ترتيبها وفق مقصديته، ولنتعرف على نماذج من هذه المسلمات:
الوقائع Les faits
وتمثل المشترك الذي لا يكون عُرضة للدحض أو الشك بين الناس، فهي مُسلم بها. وتنقسم إلى وقائع مُشاهدة من ناحية، ووقائع مُفترضة من ناحية أخرى، مثل الوقائع الأدبية والثقافية (سوق عكاظ) (وقد تكون من الشعر والأحداث والعصر وأقوال الأدباء..)، والتاريخية (التقسيم السياسي للدول العربية) وقد تكون سياسية واجتماعية ودينية وطبيعية وعلمية. إن الوقائع والأحداث تعلل وجود الظاهرة أو التجارب باعتبارها وقائع تتضمن عبرة أو موعظة..
الحقائق Les réalités
أنظمة أكثر تعقيدا من الوقائع، وتقوم على الربط بين الوقائع، ومدارها على نظريات علمية أو مفاهيم فلسفية أو دينية..
الافتراضات Les présemptions
تحظى هي كذلك بالموافقة العامة، ولكن الإذعان لها والتسليم بها لا يكونان قويين حتى تأتي في مسار الحجاج عناصر أخرى تُقويها. وتُحَدد بالقياس إلى العادي Lي نورمال أو المحتمل Lي ڢرايسيمبلابلي ، وهما يتغيران بتغير الحالات (فالعادي بالنسبة لك هو غير ذلك بالنسبة لشخص آخر)، كما يتغيران بحسب الجماعات البشرية في كل مجالات الحياة.
القيـم Les valeurs
تنطبق القيم على الأقوال الذي يُتجاوز فيه الحياد، وتخضع لتراتبية معينة، بحيث إن ترتيبها في البنية الحجاجية أهم من القيم في حد ذاتها والقيم نوعان : مجردة (العدل، الحق) ومحسوسة ( الوطن، الأمة..). إن عرض الأدلة يستند إلى قيم و معايير معينة مثل : القيم الاجتماعية : العادات والأعراف والتقاليد المتداولة اجتماعيا ، والقيم الأخلاقية : الحَسنُ والسيئ والواجب / القيم الدينية : الحلال والحرام، والجائز والمرفوض، والقيم الجمالية: الجميل والقبيح، والقيم العلميـة : الخطأ والصواب..
الهرميات Les hiérarchies
ليست القيم مطلقة، بل هي خاضعة لهرمية ما؛ فالجمال والنافع.. درجات. والهرميات بعد ذلك نوعان : مجردة، (مثل اعتبار العدل أفضل من النافع)، ومادية محسوسة، (كاعتبار الإنسان أعلى درجة من الحيوان، والإله أعلى درجة من الإنسان). إن البنية الحجاجية أهم من القيم نفسها. وإن كانت تسلم بها جماهير سامعين عدة، فإن درجة تسليمها بها تكون مختلفة من جمهور إلى آخر، وهو ما يعني أن القيم درجات وليست كلها في مرتبة واحدة. إن ما يميز كل جمهور ليس القيم التي يسلم بها بقدر ما يميزه ترتيبه إياها.
تقنيات الحجاج
وهي الأدلة التي تقوم على مبادئ منطقية ونذكر منها:
- عدم التناقض: تناقض قضيتين داخل سياق واحد كأن يُقال (إن المنهج البنيوي يصف الظواهر المدروسة ولا يصفها).
- التحديد / التعريف/ الشرح: تحديد ماهيته الشيء وشرح مدلوله وتحديد وظائفه وصف خصائصه.
- الوصف: وصف مكونات الظاهرة وعناصرها.
- التوقع: الاستدلال على قضية بإمكانية وُقوعها. كقولنا: إذا أغرق الشاعر في الرمز و الإيحاء، فمن المحتمل أن يُنفر القارئ من قراءة هذا الشعر.
- الافتراض: افتراض آثار أو نتائج ستحدث إذا طبقنا أو استعملنا معطى معينا. (إذا آمنا بلا جدوى التقسيم السياسي، فلا بد أن نصل إلى تحقيق وحدة الأدب العربي بإعادة النظر في مواده وأصوله..).
- البديل: طرح بديلين / بدائل، وواعتبار اختيار أحدها له نتائج معينة في قبول الدعوى أو رفضها. (إما نُبسط الشعر للقارئ ونُضحي بالشاعرية، وإما نحافظ على شاعرية القصيدة ويرقى القارئ إلى مستواها ).
- التضمن: وجود قضية تضمن أخرى (قياس مُضمر) ويعني إضمار النتيجة في المقدمات. ( إذا كان الشاعر من جيل الشباب فمن الطبيعي أن يتبنى نظرتهم إلى الشعر).
- إدماج الجزء في الكل: وفيه تتم البرهنة على أن ما يصدق على الكل يصدق على الجزء.
- التقسيم أو الاستقصاء: تقسيم الكل إلى أجزاء.
- التضاد : البرهنة على صحة القضية من خلال فساد نقيضها.
- المقارنة: تقويم الشيء بالنظر إليه من زاوية الآخر.
- التشابه: أسلوب نفسر به ظاهرة عن طريق مقارنتها بظواهر تشبهها
- الوصل السببي/ التعدي: يكون بين ظاهرة وبين نتائجها أو مسبباتها. كأن نبين تعالق أو ارتباط قضيتين أو مسألتين، بواسطة ثالثة تُوجد بينهما مثل ( إذا كانت الثورة دعوة إلى التجديد، وكان الشاعر الحديث ثوريا، فمن البديهي أن يتبنى التجديد ). و الوصل السببي له ثلاثة أضرب حجاجية: حجاج يرمي إلى الربط بين حدثين متتابعين بواسطة رابط سببي، مثل: اجتهد فتنجح ، وحجاج يستخلص من حدث ما وقع سببا أحدثه وأدى إليه، مثل: نجح لأنه اجتهد، وحجاج يرمي إلى التكهن بما سينجر عن حدث ما من نتائج، مثل: هو يجتهد فسينجح.
- البراغماتية: تقويم عمل أو حدث ما باعتبار نتائجه الإيجابية أو السلبية.
- الاتجاه: تحذير من مغبة انتشار ظاهرة ما ( الاهتمام بالبيانات المرتبطة بالمؤلف يُلغي أدبية النص )
- السلطة: تُتخذ أعمال أو أحكام شخصية ذات سلطة حجية على صحة أطروحة ما. كأن يُستدل على شيء ما انطلاقا من أقوال العلماء، أو الأنبياء، أوالرأي العام.
- الرمز: إذا عرف المتلقي نوع العلاقة الرابطة بين طرفيه غدا حجة.كأن يوظف المتكلم رمزَ الميزان في حجاجه.
- الاستشهاد: الشاهد حجة جاهزة، يُستعان بها لتقوية درجة التصديق ولغاية التوضيح. ويعني اللجوء إلى أقوال ومأثورات من الثقافة الرائجة كاستشهاد نجيب العوفي بأبيات شعرية في سوسيولوجية القصيدة العربية.
- الإخبار: تقديم معلومات أو بيانات تُدَعِّمُ وِجهة النظر المعارضة. ( الحداثة اليوم في العلم كما في الأدب والفلسفة والمناهج والاجتماع والاقتصاد لا وطن لها ).
- السرد والحكي: أسلوب، توظف فيه الأحداث والوقائع لتفسير مفهوم أو موقف. كسرد أحداث أو وقائع تفسر وتعلل ظهور تجربة الحداثة.
- التمثيل: حجاجيته تكمن في كونه ليس علاقة مشابهة ولكنه تشابه علاقة. وتدخل فيه الاستعارة إذا تم تكييفه. يقول تعالى:”مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذ بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت (العنكبوت / 45). فالعلاقة بين العناصر ليست علاقة تشابه بل تشابه علاقة، بل علاقة المشركين بأوليائهم تُشبه علاقة العنكبوت ببيته.
- التماثل: صيغة التماثل ليست إلا طريقة شكلية نتوخاها في تقويم شيء ما تقويما إيجابيا أو سلبيا عن طريق الحشو. كقولنا : “حين أرى ما أرى أفكر فيما أفكر” أو “الرجل رجل”.
- السخرية: السخرية بالرأي المعارض لبيان خطأ موقف الخصم. ومجاله المقال في علاقته بالمقام. ( السقوط من على ظهر الحمار أكثر إيلاما من السقوط من على ظهر الجمل، لكون الأخير يعطي الفرصة للساقط أن يتهيأ للسقوط ).
- السؤال والحوار: أي طرح أسئلة تدعو إلى حوار مع المتلقي. ( لاحظ الطابع الحجاجي / الإقناعي للحوار المبني على السؤال والإجابة بين الشخصيات في مسرحية ” امرؤ القيس في باريس” ).
مسار الحجاج (مسار الاستدلال / أساليب بناء المفهوم)
أسلوب الاستقراء/ القياس الاستقرائي
وهو الانطلاق من مقدمات جزئية للبرهنة على صحة النتيجة؛ أي من الأمثلة والظواهر إلى المفهوم العام، ويتحقق بالخطوات التالية : الظواهر والأمثلة التي تميز المفهوم ـ العلاقة المشتركة بين تلك الظواهر ـ تعميم الخصائص على سياق مغايرـ استقراء مفهوم عام.
لقد استخدم الكاتب أسلوبا استقرائيا انتهى فيه إلى حكم عام يؤكد فيه صحة منطلقه، مفاده تحكم بنية الثبات في القصيدة كلها.
أسلوب الاستنباط / القياس الاستنباطي
وينطلق من مقدمات أو مسلمات عامة للوصول إلى حالات خاصة؛ أي من الفرضية الكلية، وتأتي بعد ذلك المقدمات لتأكيد الفرضية أو دحضها. ويتحقق بالخطوات التالية : تقديم تعريف مجرد للحداثة الشعرية مثلا ـ فحص صحة التعريف بأمثلة وظواهر ـ البحث عن العلاقات المشتركة بين الظواهر والأمثلة ـ تعميم الخصائص على أمثلة أخرى ـ تأكيد المفهوم المُصاغ في البداية أو دحضُه.
أسلوب القياس
من أشكال الاستنباط نخلص فيه إلى نتيجة انطلاقا من قضيتين إحداهما صغرى والأخرى كبرى.
الأسلوب الاضرابي
يدعي المحاجج إيهاما قبوله بأطروحات الخصم ليدحضها في ما بعد.
ويعتمد الحجاج في الاستقراء والاستنباط معا على علاقة لزومية بين المقدمات والنتائج.