اقرا ايضا
نص الإنطلاق
1) قال نزار قباني في قصيدة “طوق الياسمين”:
شكراً… لطوقِ الياسَمينْ
وضحكتِ لي.. وظننتُ أنّكِ تعرفينْ
معنى سوارِ الياسمينْ
يأتي بهِ رجلٌ إليكِ
ظننتُ أنّك تُدركينْ
وجلستِ في ركنٍ ركينْ
تتسرَّحينْ
وتُنقِّطين العطرَ من قارورةٍ وتدمدمينْ
لحناً فرنسيَّ الرنينْ
لحناً كأيّامي حزينْ
2) قال محمد الخمار الكنوني في قصيدة “اليد العليا”:
أيُورِقُ مقْعَدِيَ الخَشَبيُّ يَحْيَا …؟
مثلَ جِدْعٍ قُدَّ مِنْ شجَرِ
تَوَهَّجَ بَعْضُهُ في نارِ مدْفَأَةٍ
وبَاتَ البعضُ بين الريحِ والمَطَرِ.
3) قال أحمد المجاطي في قصيدة “القدس”:
رأيتكِ تدفنينَ الريحَ
تحت عرائش العتمهْ
وتلتحفين صمتكِ خلف أعمدةِ الشبابيكِ
تصبين القبورَ
وتشربينَ
فتظمأ الأحقابْ
ويظمأ كلُّ ما عتَّقتُ منْ سحبٍ ومن أكوابْ
ملاحظة الأمثلة
المثال الأول
بملاحظة الشكل الداخلي للمثال الأول نجد الشاعر اعتمد تفعيلة “متفاعلن” من بحر الكامل إلا أنه لم يلتزم بتوزيع متساو للتفعيلة في الأسطر الشعرية. فكل سطر يتفاوت عن الأخر في الطول وعدد التفعيلات بحسب الدفقة الشعورية.
من الناحية الإيقاعية أيضا نجد النص الشعري يخضع لتوزيع متناغم تتحكم في النغمة الصوتية التي تنتهي بها الأسطر الشعرية “ياسمينْ – تعرفينْ – تدركينْ – تتمسحينْ – تدمدمينْ – الرنينْ – حزينْ”، فالقافية مقيدة ونونية الروي. فالشاعر إذن احترم الوقفة العروضية كالقافية التي نجدها في الشعر التقليدي.
المثال الثاني
بملاحظة السطر الأول في المثال نجده يتكون من جملتين حيت تبدأ الجملة الثانية مع الفعل “يحيا” وتتمة الجملة تأتي في السطر الثاني. وذلك لكي يقف الشاعر في السطر الأول عند الروي الياء كوقفة عروضية، بينما السطر الثاني قد انتهى معناه فكانت الوقفة هنا دلالية وكذلك السطر الثالث والرابع.
المثال الثالث
هذا المثال غني بالمفردات المتنافرة دلاليا “تدفنين الريح” – “تلتحفين صمتك” – “تصبين القبورَ” – “فتظمأ الأحقابْ” – “ويظمأ كلُّ ما عتَّقتُ منْ سحبٍ و من أكوابْ”. وهذا التنافر خرج عن المعنى المتداول ويعتبر انزياحا يحتاج إلى تأويل يختزل التنافر. وهذه الخاصية هي التي ميزت اللغة الشعرية عن الكلام العادي. إذ المفردات اتخذت لها وضعا جديدا خرج عن المألوف وتحتاج لتعامل خاص لفهم معناها.
خلاصة
الوقفة العروضية والوقفة الدلالية
الوقفة فيزيولوجيا تعني انحباس صوتي أثناء الكلام أو وقوفا على فاصلة أو نقطة يعتمدها المتكلم لاسترجاع أنفاسه. والوقفة اصطلاحا هي امتداد لأسلوب التقفية التقليدية وتكون في نهاية السطر الشعري وهي نوعان:
- الوقفة العروضية: وتستدعيها ضرورة استيفاء البنية العروضية العناصر والتفعيلات المركبة لها، وتسمح الوقفة العروضية بتجزيء الوحدة المعنوية التي تتجاوز حدود السطر. وإذا انتهت الأسطر الشعرية بالوقفة العروضية فمن الضروري أن يكون الرابط بينها وحدة معنوية متكاملة دلالية.
- الوقفة الدلالية: وترتبط بانتهاء الوحدة المعنوية المسيطرة على نفسية الشاعر ووجدانه. وإذا انتهت الأسطر الشعرية بالوقفة الدلالية فيجب أن يكون بين الأسطر وحدة إيقاعية منسجمة عروضيا.
اللغة الشعرية
تتحقق شعرية اللغة باستعمال اللغة استعمالا خاصا، يخرج بها عن المألوف المتواضع عليه. ويدعى هذا الخروج انزياحا، وهو الخروج عن قواعد المعجم والنحو الضابطة للكلام.