اقرا ايضا
مدخل التزكية: «الإيمان والفلسفة» (منار التربية الإسلامية)
الوضعية المشكلة:
وأنت تدرس مادة الفلسفة تبادر إلى ذهنك مجموعة من التساؤلات من قبيل: من أنا؟، كيف خلقت؟، كيف خلق الله هذا الكون بهذه الدقة؟ …، فتساءلت عن ذلك محاولا إيجاد إجابة مقنعة، فاهتديت إلى طرح هذه الأسئلة على أستاذ التربية الإسلامية.
- هل هناك علاقة بين الفلسفة والإيمان؟
- وكيف يمكن للمرء أن يهتدي إلى الإيمان من خلال دراسة الفلسفة؟
النصوص المؤطرة للدرس:
النص الأول:
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
[سورة البقرة، الآية: 269]
النص الثاني:
عَنْ أَبِي السَّوَّارِ العَدَوِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ». فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: “مَكْتُوبٌ فِي الحِكْمَةِ: إِنَّ مِنَ الحَيَاءِ وَقَارًا، وَإِنَّ مِنَ الحَيَاءِ سَكِينَةً”، فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: “أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ”.
[صحيح البخاري، كتاب: الأدب، باب: الحياء]
قراءة النصوص ودراستها:
I – نشاط الفهم وشرح المفردات:
1 – شرح المفردات والعبارات:
- يوتي: يعطي ويرزق.
- الحكمة: الإصابة في القول والفعل / الفهم.
- أولوا الألباب: أصحاب العقول الراجحة
- الوقار: الرزانة والحلم.
2 – مضامين النصوص الأساسية:
- تشیر الآیة الكریمة إلى الخیر الكثیر الذي یمنحه الله تعالى لأھل الحكمة والعقول المتأملة.
- اعتماد عمران بن حصین رضي الله عنه على السنة النبویة، وتقدیمھا على كتب الحكمة
I – التفكير الفلسفي يقوي العقل ويطور التفكير:
1 – مفھوم الفلسفة:
الفلسفة: لغة: مشتقة من “فیلو- صوفیا” وتعني في لغة الیونان “محبة – الحكمة” أو “السعي إلى المعرفة”، أما اصطلاحا: فھي النظر العقلي المحض، والتفكیر القائم على الاستدلالات المنطقیة والبرھانیة حول موضوعات وقضایا كلیة تستحق النقد والتفسیر والتنظیر.
2 – التفكیر الفلسفي یقوي العقل ویطور التفكیر:
الفلسفة كمنھج عام في النظر والتأمل فھي فعل یرتبط غالبا بالعقل والتجرید، وإذا ما اعتبرنا أنھا السعي نحو المعرفة والوصول إلى الحقیقة، فإن التفكیر الفلسفي ومن خلال الأسئلة الكبرى التي یطرحھا والقضایا التي یعالجھا فإنه ینمي مھارات العقل في التفكیر والتأمل والتدبر والنقد والوصول إلى الحقیقة، خاصة إذا اھتدى بنور الوحي والنقل الصحیح، بالمقابل فإن النظر العقلي في الفلسفة لا یقبل الحقائق إلا بعد عرضھا على العقل المجرد، واھتم ھذا النظر كثیرا بقضایا الوجود والدین والإیمان والمصیر، حیث توصل العدید من الفلاسفة في كل العصور إلى بعض الحقائق الإیمانیة، مثل: إثبات واجد الوجود والبعث ودار الخلود …، في حین أنكرھا آخرون واعتبروا أن الظواھر الإیمانیة مجرد معرفة خبریة، ومن خلال ھذا یتضح جلیا أن التفكیر الفلسفي یھدف بالأساس إلى إعمال العقل للوصول إلى الحقیقة الثابتة، حيث إن جوھر الفلسفة یقوم على استخدام العقل من خلال الفھم والتحلیل وطرح التساؤلات والتأمل في الوجود والكون، الشيء الذي یؤدي إلى تقویة العقل البشري وتطویر القدرة على التفكیر، فالتفكیر الفلسفي یفتح باب الشك المؤدي إلى الیقین وبناء القناعات على أساس متین، وبالنظر في التفكیر الفلسفي وخصائصه(حر، نقدي، تجریدي، كلي، نسقي)، نجده ینمي ملكة العقل ویطور التفكیر.
II – المنهج الفلسفي الموضوعي وأثره في ترسيخ الإيمان:
1 – مفھوم الإیمان:
الإیمان: لغة: التصدیق والوثوق، ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾، أما اصطلاحا: فھو التصدیق الجازم والاعتقاد الیقیني بوحدانیة الله ورسالاته، وھو ما انعقد علیه القلب، وصدقه اللسان، وعملت به الجوارح والأركان.
2 – أثر المنھج الفلسفي الموضوعي في ترسیخ الإیمان:
یستخدم المنھج الفلسفي المنھج التأملي والعقلي والتحلیلي:
- المنھج التأملي: یعتمد على التفكیر الذاتي للفیلسوف.
- المنھج العقلي: یعتمد على العقل في إدراكه.
- المنھج التحلیلي: لأنه یحاول الوصول للأسباب الأساسیة الأولى للموضوعات.
باستخدام ھذا المنھج یستطیع المؤمن أن یرسخ إیمانه حتى یصل إلى الإیمان الحق، فإذا التزم العقل بحدود التفكیر التي تتجلى في خلق الله وآلائه دون الخوض في ذات الله الذي ھو فوق طاقة الإنسان، فإن العقل حینما یكون مسددا بالوحي یصبح سبیلا لترسیخ الإیمان، وعبادة یؤجر علیھا، كما أن الإیمان الذي یتأسس على الفطرة ویتعمق بالعمل لا یترسخ إلا بالعلم والتساؤل الفلسفي الموضوعي البعید عن التمثلات الشخصیة الضیقة، كما أن نتاج الفكر الفلسفي العالمي المرتبط بقضایا الإیمان والدین من أھم الوسائل التي ترسخ الإیمان من خلال التفكر في آیات الآفاق والأنفس، حيث یساعد التفكیر الفلسفي الموضوعي على ترسیخ الإیمان وزیادته، والانتقال بالإنسان من إیمان المقلد إلى إیمان العالم العارف بالله.
3 – ممیزات النظر الإیماني عن النظر الفلسفي:
لیست مھمة النظر والتعقل في القرآن الكریم – حسب النظر الإیماني – إثبات أمر ما بالاستدلال المنطقي كما ھو الحال في الفلسفة، بل غایته النظر والاعتبار وإدراك الأسرار لبلوغ أعلى درجات الیقین علما وعملا.
Ⅲ – لا تعارض بين الفلسفة الراشدة والإيمان الحق:
الفلسفة علم كغیرھا من العلوم التي یمكن للمؤمن أن یجعلھا منھاجا للنظر الملكوتي، فتزیده إیمانا وینتفع بھا انتفاعا، فھي تدعو إلى إعمال العقل من أجل الوصول إلى الحقیقة، وقد تبین لنا ذلك من خلال المنھج الفلسفي، كذلك یدعو الإیمان إلى استعمال العقل لأنه المنحة الإلھیة التي فرقت بین الإنسان والحیوان، ویتجلى دور العقل في التأمل والتدبر …، والأدلة على ذلك كثیرة، منھا قوله تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾، وقوله سبحانه: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾، فقضایا الدین والإیمان قابلة للتفكیر العقلي، إما بالدلیل العقلي المجرد أو بالدلیل العقلي المسدد بالوحي، إذن فالعلاقة بین الفلسفة والدین علاقة تكامل وتوافق ما دام أن غایتھما واحدة تتمثل في بلوغ الحقیقة وترسیخ الإیمان بھا.